الأحد، 9 أكتوبر 2022

 

نحن نفعل هذا ... أتعلمون لماذا؟!

        مع كل مقال يسطّره قلمي تاتيني كلماتهم ... في الخاص وفي العام... تاـيني كلماتهم أنيقة الأحرف دافقة الأحاسيس والمشاعر ... مضيئةً وضيئة ...

تأتي كلماتهم مواسية للجراح وبلسماً للروح ...ومحفزة للمزيد من الدفق والتداعي ... بعد أن أكون قد قررت التوقف عن الكتابة قناعةً بلا جدواها !!

      مع كل مقال يسطّره قلمي تاتيني كلماتهم دافعة ومدافعة ... فلهؤلاء أكتب ... وعن هؤلاء أكتب ...فحين أكتب أشعر بأني أعبر عنهم ... فأنا صوتهم ...

وحين أكتب وأتحدث بصوتهم فتلك رسالة خالدة ...فيها ما فيها من إنتصار لقيم الحق والخير والعدالة ...هم أعزاء وأحباب وزملاء وأهل وأصدقاء ومعارف ...جمعتني بهم الحياة في مسيرتي ومسيرتهم الحتمية بين الميلاد والقبر ... فصاروا جزءاً من نسيجي الداخلي ... وتكوين شخصيتي ... ولكن ...

أحياناً أشعر بأنني أقسو عليهم حينما أكتب ...لانني ببساطة لا أكتب بالقلم ...ولا (بالكيبورد)    ولا (بالكيباد) ...أنا أكتب بحد السكين و....(برأس المشرط)...لأن رأس القلم الدقيق الحاد يحفر في القلب وفي لحم المجهول أكثر مما يقوى عليه رأس المشرط أو حد السكين ....ويحفر في قلب العدو أكثر مما يقوى عليه مقذوف رصاصة مهما كانت متقنة التصويب ... ولكن ...هكذا أصبح طبعي الذي لا أستطيع منه فكاكا ...

(والبلومني ...خلي اليلومني) أو كما قال عتيق .

تحمس البعض للمقال السابق (يا من جفوني ..هلا كفاكم جور) لأن رأس المشرط كان قد لامس فيهم عصب الإحساس....فبعضهم بكى وبعضهم ضحك وبعضهم صفّق وبعضهم نظر للمقال من زاوية فلسفية عميق ... فكتب سعادة الفريق أبوحراز ...(هاهنا سكب شنان نفسه فكان ليها شعاع...يا شنان بالبوست دا براهو حقكم رجع) ...

وكتب دكتور آدم : (هذا المقال فيه تشخيص لحالة معيبة أطلت برأسها على المجتمع الشرطي ... فيه نقد ذاتي .. وقد أحكم التوصيف بصورة عميقة ...لارتباط الضابط بهذه المهنة المقدسة واندياحه فيها بل وذوبانه فيها لدرجة الإنصهار ...كان مقالاً موفقاً).

وكتب سعادة اللواء يوسف : (لسان حالك أخي حكى ما يعتمل في صدور الكثيرين ... ولكنك كنت الأسرع والأشجع في تنفيسه ...لله درك فحروفك ذكرتني ... وذكرتني من بكى بعد أن تليت عليه عريضة مظلمته ... إننا بلا شك لا نبكي على فقد منصب أو مركز إجتماعي ... ولكنا نبكي علي خيانة الزملاء وموت العهود).

كتبت إبنة خالي الأستاذة ذكية : الدموع غلبتني ومنعتني من التعقيب ... مؤلمة !!

وكتبت نجلاء ...والله ياشنان ما استطعت أن أكمل المقال ... فقد (خنقتني) العبرة !!

وكتب دكتور عبد الفتاح ... (بالبلدي كدا الزول دا الشرطة دايرها لي شنو ؟ فهذا الرجل في المكان غير المناسب في مهنة الطب والميري ..هذا الرجل مقامه قاعات العلم ومنصات الإعلام ودهاليز البحث والبحوث. ضُمِّخت صحيفته بالأنين واللوم والنحيب من ظلم الصديق والحبيب ولكنها كانت أكبر للماعون الأكبر – البلد ومؤسستها العسكرية - .

يجب أن تشكل لجنة أجاويد لإقناع هذا الرجل بارتياد مدارج العلم لأنه عالم ... وهذا ليس تقليل من مكانة الشرطة ولكن بحق وحقيقة هذا الرجل إعلامي بدرجة ممتاز )

وقد كتبت رداً علي ذلك للدكتور إبراهيم الذي نقل لي رأيه ذلك أن هذه المهنة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نسيجنا الداخلي .. فلا فكاك منها...والذي لا يعلمه د.عبد الفتاح أن مقامنا محفوظ في قاعات العلم في الجامعات السودانية مختصاً في مناهج البحث العلمي كمادة إهتمام لأكثر من عشر سنوات .. ومختصاً في إدارة الأزمات كتخصص أولي بل وممارساً ضمن فريق إدارة الأزمة لمجموعة ضباط 2020 م .فالأمر لا يحتاج أجاويد ولا (جنجويد) ...

والذي لا يعلمه د. عبد الفتاح أنني بدأت ممارسة الإعلام منذ سنوات الدراسة الإبتدائية فالمتوسطة والثانوي وحتى سنوات الجامعة حيث كنت أصدر صحيفة حائطية لوحدي ... وفي الثانوي وانا بعد طالب بالصف الثالث إنضممت للقسم الثقافي بصحيفة ألوان ...

والذي لا يعلمه د.عبدالفتاح أنني صحفي محترف مقيد بسجل الاتحاد العام للصحافيين السودانيين ...ومدير تحرير مجلة الشرطة ومن المؤسسين للمجلة في إصدارها الحالي ...

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ...لماذا نكتب ... ولماذا نقاتل بهذه المهنية العالية المتمترسة بالأخلاق والقيم ... ولماذا نصدع بالحق في وجه سلطان جائر ... وفي وجه زمان جائر؟!لماذا نفعل كل ذلك ؟

نحن نفعل هذا لــ :

للننتصر لقيم الحق والخير والفضيلة والعدالة ...

و لنعلم الأجيال أن الحق أحق أن يُتّبع ...وأنه يعلو ولا يُعلى عليه لأنه من أسماء وصفات الحق العدل اللطيف الخبير...ولنرسل رسالة للذين أتت بهم الصدفة و كانوا على سُدة رئاسة القوة _ وللذين جاءوا من بعدهم والذين سيعقبونهم_أن الإنبطاح للسياسيين لا يجدي ...وأن هذه القوة العريقة الباذخة التاريخ تستاهل أن يكون على رأسها رجالٌ لا يخشون في الحق لومة لائم ....ولنرسي يقين وحقائق ثابتة وراسخة كالطود عند إختيار قيادات لهذه القوة ...لتظل هذه القيم فنارات ومنارات يهتدى بها في فضاءات هذه المهنة ...

نعم للمؤسسية والتراتيبية وحفظ الحقوق لمن تسوقهم الأقدار للتقدم خطوات فيها ولكن لا لقيادات هزيلة وراعشة ...فضعف القيادة يدمر القوة مادياً ومعنوياً وبالتالي يدمر الأمن في البلد وهي نعمة إمتن الله بها على عباده (الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف).

ونقولها نعم من الضمير والفم ...نقولها نعم عشان أولادنا تعلم ...

تتعلم ما ذكرنا سابقاً ...وتتعلم مناهضة الظلم مادام فيهم عرق ينبض.وتتعلم ألا يزايد عليهم أحداً في حبهم لأمهم الرؤوم (الشرطة) ...فكلنا أبناؤها وإن ظلمهم أحد أبنائها فليذهبوا للقانون ليفرق ويفصل بينهم... والحق أحق أن يتبع...

نحن نفعل هذا لنحقق (وزنة) لرمانة الميزان بين كفة البحث عن الحق السليب وكفة إحترام المؤسسة " الأم الرؤوم"....وفي مسعانا هذا ..نحن ندافع عنها لنردها إلى الحق .. ونرد عنها كيد المعتدين .

وللأسف (الأسيف) فإن الشرطة هي المؤسسة السودانية الوحيدة التي (يسطيع و يستطيع ) أي صعلوك وأي (صعلوق) من صعاليك السياسة أن يدخل يده فيها و (يسوط) ويعبث فيها أيما عبث دون أن يجرؤ أحد أن يوقفه أو يمنعه أوحتى أن يقول له (تلت التلاتة كم)!! وقد قال السيد عبد الفتاح البرهان في تنويره لضباطه في منطقة كرري العسكرية كلام في محتواه أن الشرطة قد تعرضت لضرر بليغ وتجريف في فترة حكومة (قحت) ولكننا إستطعنا أن نحمي القوات المسلحة من تدخلاتهم !! يا سعادتك ما كنت تحمينا برضو !! (ما ناسك نحن ما ناسك)!!.

       فالشرطي السوداني أصبح بعد الثورة إنسان مشبوه ...يستطيع أي سياسي أو ناشط سياسي أو (ماشطة) سياسية أن يستعبده وأن يحركه يمنةً ويسرى وأن يوقفه وأن يمنعه من أداء واجباته الرئيسة في إنفاذ القانون وحماية الحقوق ... بل وأن يفصله حتى إرضاءاً لغروره ...ومن هنا كانت خيبة أمل الكثيرين كبيرة في الشرطة سيما بعد ثورة (السفارات والسفاهات) هذه ...

        إنهم ينتظرون من هذه المؤسسة المهترئة المنتهكة الكرامة أكثر مما تملك ... ويدهشهم أنها لا تملك غير تحمّل المزيد من المسؤليات والإهانات والتفاهات والسفاهات والقتل طعناً بالخناجر أو رجماً بالحجارة !! "كنداكة جا بوليس جرا ...بوليس بحب الرمتلة ..." إنه الجرح هناك تحت الجسد ...متورماً متقيحاً متعفناً ...ولا أحد يبالي ... فالحرب ما زالت مستمرة ...حرب كشف الحقيقة وراء صنع جفوة بين المواطن والشرطة التي كان من نتاجها... ان انعدم الأمن عند المواطن وعند الشرطة معاً... حتى صار الشرطي يخلع ملابسه في موقع العمل ليعود ويلبسه غداً وعلى أعلى مستوى !!

نحن نفعل هذا ... ولسنا سياسيين ...كما أكدت في أكثر من مقال ... ولكن السياسة تتحكم في مهنتنا وفي حياتنا وفي أدق تفاصيلها ... تتحكم بطعامنا وشرابنا وتعليم أطفالنا وترحيلهم وثمن قطعة الخبز وصحن الفول وكوب الحليب وغيرها من تفاصيل ...فالسياسة هي الحياة ... ونحن ما زلنا نحيا...

ورغم باهظية الثمن الذي ندفعه من وقتنا ووقت أطفالنا وأسرنا ومجاملاتنا الإجتماعية ...ولكن سنمضي في ذات الطريق الذي إخترناه...

نحن قلوبنا مابيسكن خلل في جوارن...

بيمشن في الدريب الكان مشوبو كبارن...

راسيا الجبال كيفن رحيل حجّارن...

البلد المحن لابد يلولي صغارن..

 

 

 

 

عميد شرطة د.شنان محمد الخليل

الأحد 9 أكتوبر 2022 م.

 

      

الجمعة، 7 أكتوبر 2022

 

يا من جفوني... هلا كفاكم جور

         أيها السادة ....عشت أكثرمن ثلاث عقود من الزمان السوداني...كانت الشرطة فيها وبإرادة القادر المريد جل شأنه جزءاً لا يتجزأ من عالمي ونسيجي الداخلي ...و"كريات" دم ثالثة (لا هي بيضاء ولا هي حمراء )....تسبح في دمي ....وقيمٌ ومعاني وعشق سرمدي يملأ جوانحي ....وخلايا لا تتغير ولا تتبدل تملأ تلافيف دماغي وشغاف فؤادي يصعب استئصالها ...وهكذا.....

كان المدخل إليها ...

دفعة من الأتراب والأحباب ...تآلفنا فيها وتآخينا إلفةً وإخوة أقرب من إخوة الرحم ...

ثم زملاء ضباطاً وصف وجنود مرؤوسين ورؤساء جمعتنا بهم ظروف العمل بحلوها ومرها وبرخائها وشدتها ... إنهمرت علينا زخات الأمطار والرصاص و صلتنا نيران الهجير والزمهرير...

ثم مؤسسة عريقة إحتضنتنا سوياً فوحدت (كروموسوماتنا) الفكرية والمهنية فخرجنا فيها بذات (الجينات) أكثر تشابهاً وأقوم قيلا...

ثم استدار الزمان دورته ...وحدث للسودان ماحدث أو قل ( حدس ماحدس)...

أما الدفعة فقد جفتنا وتخلت عنّا يوم هدد عادل بشاير في الدار يوم لقائه بالمترقين بمراقبة كل من تسول له نفسه الإتصال بالمحالين (كأننا رجس من عمل الشيطان) فلم يصلني سوي أربعة فقط ولن انساها لهم... ولم يتصل سوي عدد مثلهم ..

متى يسعفوني...؟

لو بالنظر مسرور...

ألقى النصاح...

ما ضرهم لو كان شرفوني؟!

أما المؤسسة فقد جفتنا وأنكرتنا و أوصدت أبوابها في وجهنا بعد أن حزنا على قرار ببطلان الإحالة ..وتجاوز الحكم كل المراحل وما زالت تضع العراقيل في طريق عودتنا..

وجفتنا يوم أطلقنا إشاعة بالتحرك للرئاسة لبحث إرادة التنفيذ ...فجيّشت قواتها لمواجهتنا ... كأننا سنذهب (لنحرق الساتك) أو (لنترّس الشوارع) أو (لنغتال علي بريمة أخر)!!

أما السادة القادة فقد جفونا يوم أن إختاروا أن يكونوا مع الطرف الآخر ... جفونا يوم حشدوا الكثير من المداخلات المتعلقة بالقضية ...مساجلات نبشت الكثيرين من الداخل ...فأخرجت نفوسهم أثقالها ... غِلاً ... وحسداً ...ومصالح.....البعض يتساءل كأنه لا يعرف ...وبعضهم يهرف بما لا يعرف...ليس بينهم كاذبٌ فيما يقول ربما:

فبعضهم يقول ما يقول من وجهة نظره التي أملتها عليه (الظروف) !!

... وبعضهم يقول ما يقول حسداً من عند نفسه ... حسداً لمجموعة من الضباط لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين إستطاعوا أن يحملوا الراية ويديروا الأزمة باحترافية ... ويدافعوا عن قضية إخوانهم وأن ينافحوا مؤسسات الدولة وجيشها الجرار من المستشارين والمنافقين والمتملقين المدججين بالمال والسلطة والجبروت!!... وبعضهم يقول ما يقول مجافياً للحق والحقيقة خوفاً من إنقطاع العطايا وطمعاً في الهبات والهدايا !!... وبعضهم أو قل هم أقلهم سوءاً وأكثرهم وزراً من سكت عن إسداء النصيحة ... والساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ... وقد قيل قديماً أنه من الأفضل أن تظل ساكتاً فيظن الناس أنك أحمق من أن تنطق فتؤكد للناس ذلك... فالمرء مخبوءٌ تحت لسانه.

... كما أن صمت البعض قد يكون صمتاً إنتهازياً بانتظار أكتشاف إتجاه الريح كيما يفرد أشرعة مصالحه لتدفع الريح زورقه تجاه شواطئ الفائدة...

ولكنّا لا نلومهم لا أولائك ولا هؤلاء...

ولكن الحق سينتصر في النهاية ...والحقيقة ستخرج للناس عارية (دُبُر نعزاية)!!

فعقلياتهم الداجنة ...والمدجنة المبرمجة على بوصلة المصالح ...قد برمجت علي السباحة مع التيار ... تيار المصالح ...وتيار الخوف وتيار التبعية ... وتيار الحاجة التي أذلت أعناق الرجال !!

ونحن حين ندافع ... لا ندافع عن قضيتنا وحسب ... لا يا سادة ... نحن ندافع عن الحق والخير والعدالة ... وندافع عن شرف مهني باذخ يتجاوز عمره قرناً وربع القرن من الزمان ...

ونحن نفعل ذلك لا ننتظر من أحدٍ (صكاً) يثبت برنا ولا يثبت وفاءنا لأمنا الرؤوم!!

فهذه المهنة الشريفة أحببناها ... " والحب الحقيقي يحرر الإنسان من الخوف والظلم والظلمة والإحساس بالذنب والدونية والتواطؤ الضمني مع القيم البالية والأعراف البائسة السائدة المتكلسة خلف عبارات (شمول النظر فيه بعين العطف والإعتبار!!) ... الحب الحقيقي يغسل الإنسان ويعيده نقياً حقيقياً متعباً نظيفاً متجرداً كما لم يكن من قبل "

الحب الحقيقي يتملك فؤادك وجوارحك ...فيصعب عليك أن تفارق مهنة إحتضنتك وأخذت ثلثي عمرك هكذا ببساطة وبجرة قلم على ورقة (برنسيسة) جوار بائعة شاي تحت أحد الجسور !!

ولكن ...

رغماً عن ذلك حتماً سنعود ... رغماً عن لامبالاة البوليس بظُلمنا ... ورغماً عن لا مبالاة بعض  الزملاء في الخدمة بعدالة قضيتنا ... ورغماً عن حسد بعض الزملاء بالمعاش ...ورغماً عن (طوباوية) الإدارة الرسمية والإرادة السياسية وتماهيها مع هذه الفترة السوداوية المظلمة في تاريخ السودان ... سنعود إنتصاراً لقيم الحق والعدالة والفضيلة... وليس إنتصاراً لذواتنا الفانية ...

= فحين يكون بيتي مهدداً ... وحياة أسرتي في خطر ... ومستقبل أطفالي غامضاً قطعاً لا أستطيع أن أرمي ذلك كله وراء ظهري وأنطلق للأمام... إذ لابد من إعادة الترتيب الحربي وتحديد وجهة المسير ...

وفوق كل هذا وذاك ... يبرز سؤال ...

كيف يتسنى لك أن تفصل جرحك عن جرح الوطن ؟!

كيف يتسني ويتثنى لك – والمعركة في أشدها - أن تختبئ خلف الأشجار لتداوي جراحك وحيداً  وتلعقها وتنظفها وحيداً وتربط عليها بـ (شاش) الصبرلتخرج وتواصل المعركة أو لتستعد لمعركة جديدة!!

عليك أن تتعلم أن تكون وحيداً بعيداً عن جوقة المطبلاتية والمنافقين والهتيفة ...وأن تقاتل وحيداً فالرجل العظيم وحده أغلبية ....

ويا من جفوني ...

هلا كفاكم جور ...

أنا عقلي راح...

دمع الفراق أتلف جفوني !!

عميد شرطة د.شنان محمد الخليل

 

 

      

السبت، 3 سبتمبر 2011

وريني أيه ضراك ... لو كان صبرت شوية !!

- كان الجو صحواً في ذلك المساء الجميل ، كان الوقت بُعيد الأصيل وقُبيل العشاء ... وقد إنتظمت الدفعة بقوتها الأصلية البالغ عددها 183 ولم تكن ثمة توزيعات سوى الطالبات الأربع ... وكان المكان معسكر الرماية التابع لكلية الشرطة بدروة "جبيل الطينة " غرب مدينة جبل الأولياء .... وكان الملتقى أمسية من أمسيات مشروع الرماية الأول لطلبة الدفعة (59) .

- كانت الدفعة بفصائلها الست مصطفة على الأرض في جلسة عسكرية تأخذ تشكيل (كول مفتوح) وفي المواجهة جلست قيادة المعسكر بكامل عددها بقيادة السيد المقدم شرطة خضر المبارك علي في أمسية ترفيهية حالمة يندر أن يجود الزمان بمثلها بترتيب من الجمعية الثقافية للدفعة وتنسيق مع قيادة المعسكر .... كان البرنامج يسير حسبما خطط له .. إستهلال بالقرآن الكريم .... كلمات من هنا وهناك .... إبداعات طلابية .... إنشاد ..غناء ... نكات وغيره من البرامج الراتبة والمكررة في مثل هذه الحالات... ثم طلب السيد المقدم آلة العود التي أحضرها جمال عبد الباسط في إذن كنا نراه غريباً لطالب في المشروع الخلوي !!

- إستلم السيد المقدم خضر المبارك العود .... ونقرش به نقرشات خفيفة .... كنا نعدها – وقتها- تطاول من شخص عسكري في مسألة فنيّة محضة بعيدة كل البعد عن العسكريين !! فقد كنا أغراراً لما يتجاوز عمرنا في الكلية بضعة أشهر ... نقرش السيد المقدم على العود ثم دوزن ثم .... إنتظم اللحن .... ذات الشجن الذي كتب به سعادة اللواء عوض أحمد خليفة .... وذات الشجن الذي يؤدي به الأستاذ عثمان حسين :

عشرة الأيام ما بصح تنساها

كأنو ما حبيتك وكأنو ما عشناها

ضمانا أحلي غرام

********

ليه فجأة دون أسباب من غير عتاب أو لوم

إخترت غيري صحاب وأصبحت قاسي ظلوم

هان ليك فراقي خلاص وأنا برضو حولك أحوم

كان عهدي بيك ترعاني وأجمل صلاتنا تدوم

أصل المحبة سلام

- وأخذ النسيم يتماوج مع دعاشات خريفية جميلة .... وأخذ اللحن يتماوج أيضاً ..... واستبدّ بنا الطرب :

بعدك أماني هواي ياما جنيتا عدم

ولا عرفت صديق لي قلبي غير الهم

كم غيري يشدو سعيد وأنا في هواك مغرم

ماأظني يوم أنساك ومن العذاب أسلم

وأسلم من الأوهام

*****

ما كان فراقنا المر في نيتي أو بي ايدى

لكن قيودك أبت وقست ظروفي على

وإتلاشت الأحلام وين حسن ظنك بى

وريني إيه ضراك لو كان صبرت شويه

عمر السنين الأيام

- وعند هذا الحد .... ونحن في قمة النشوة ..... وفجأةً .... دمدمت السماء وأرعدت وهطلت ....وصوت أحد السادة الضباط ....سريعاً يا طلبة أجري لم "النمرة" بتاعتك .... وقبل أن نصل للمخيم لتنفيذ التعليمات صافرة متقطعة وتعليمات أخرى .... أجمع سريعاً ...

- وبدأ فصل جديد .... ووجهٌ جديد ... ولحنٌ جديد ... ولغةٌ جديدة .... " تجروا تخلوا السيد المقدم في المطرة ... القال ليكم منو؟ _ ما بنقدر نقول فلان طبعاً _ ماشين وين ؟ خايفين على النمر بتاعتكم ؟ في حد جايبا من بيت أبوهو ؟ مش بتاعة الحكومة ؟ " ودار الموال على هذا المنوال ... والتمام يرفع (نجمة نجمة ) حتى وصل للسيد قائد المعسكر والذي أصدر تعليمات بعدم إنصرافنا من أرض التمام حتى تجف ملابسنا من مياه الأمطار التي صبت لأكثر من ساعة .... وذلك حتى لا نتلف "النمرة" بتاعة الحكومة !!

- وقفنا لثلاث ساعات في انتظار جفاف ملابسنا .... ثم بدأت الأمطار في الهطول مرة أخرى !! لنصف ساعة ... ثم ساعات وساعات حتى جفت ملابسنا وجفت حلوقنا ... "وإتلاشت الأحلام .... وين حسن ظنك بى" وإتلاشت أحلامنا في تمضية سهرة جميلة ... ويوم خالد من أيام الدروة ...وبقيت الذكرى في الخاطر ... وظللت منذ ذلك التاريخ .... أعيش تلك الأغنية بذات الشجن كلما استمعت إليها .... وفي خاطري أني أقف في جو ماطر في منطقة مكشوفة وأنا أقف مبلل الكاكي " الباشنقو" والريح تعصف من حولي ولها "زيفة" .....

- لك التحية سعادة اللواء خضر المبارك أينما كنت .

د.شنان محمد الخليل

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

الجنينة ومسرح اللا معقول !!

الاخ الاكرام مدير هيئة النقل النهرى :

(ان  استمرار الأشياء الخطأ زمناً طويلا لا يكسبها صفة الشرعية ولكن يجعل التخلص منها أكثر صعوبة ) هكذا قيل ... فالذي يحدث في محلية كوستى ملكال لا يمكن وصفه بأي حال من الاحوال سوى أنه الخطأ بعينه ... وذلك ان اول ما يتبادر للذهن عند السفر للجنوب هي القتال ونية الشهادة ...رؤية الحياة من خلال الثقب الفاصل بين كتفى (فتحة التنشين) ، السير خلف (البرودر) أو... أمامه احيانا في الحقول المزروعة بالألغام والسنابل الواعدة بالانفجار ..كل ذلك ممكن ولكن ان تتعايش مع القاذورات و(التفاهة) ...ان تعيش كالذباب وسط الاوحال والصديد فذلك هو المستحيل بعينه ..

    فالباخرة (الجنينة) وما يحدث فيها ...وما هو ومنحوت بغرفاتها التى تفوق الخمسين .. وصنادلها المسحوبة معها هي عالم قائم بذاته .... مدينة راحلة وسط الأسن الاجتماعي والبيئى ..قد لا تصدق سيدى ان قلت لك بأن اى شيء يمكن ان يحدث في الجرار... زواج، طلاق، ميلاد...وفاة...مرض، سرقة، نهب وابتزاز، اغتصاب..وأفعال يعد فعلها مخالف لكل مواد القانون الجنائي والقوانين الاخرى التكميلية ....كما يمكن أن تصاب بأي مرض يجول بخاطرك ملاريا ،حصبة ، كوليرا، نزلات معوية .

       وشرطة النقل النهري لأنها تسافر اساسا بلا امكانيات وبلا حراسات فإنها لا يمكن ان تؤدى دورا يذكر سوى مساعدة (التذكرجية) في حملاتهم التي تنتهى بالقبض علي بعض (المحتالين) ليتم انزالهم في اول محطة ..ليركبوا في المحلية القادمة ويقبض عليهم وينزلوا في المحطة التى تليها ... وهكذا حتى يصلوا إلى (مثواهم الأخير) على مراحل...لأنهم ببساطة لا يملكون ثمن التذكرة.والمحطات علي جانبي الطريق من كوستى و حتى ملكال نفسها لا توجد فيها مرافئ مهيأة لاستقبال الباخرة وتمكن الركاب من النزول بأمان ... اما الباخرة نفسها (الجنينة) فهي تكاد تكون مرحاضا كبيرا مسحوب مع الجرارات ..انتهت كل الغرف ... بدرجاتها الاولى الممتازة والعادية والثانية وانتهت الحمامات والمراحيض ..وانتهى فيها كل شيء وبقى فيها شيء واحد فقط ينبض ..مولد الكهرباء الذى يعمل لمدة 24 ساعة ..عدا ذلك لا شيء ..وظل المطبخ صامدا رغم الكوليرا والنزلات المعوية ..فان خدماته نوعا ما ظلت ما بها من باس ..؟ كنت نزيل احدي غرفات الاولي الممتازة ..حيث ينعدم الهواء ليلا ونهارا ولك الخيار بين ان يجيء الهواء اوان يجيء البعوض والذباب ليلا ونهارا ..اصوات الجنادب وصريرها ..افواه الصراصير القارضة تجعل من الصعوبة على المرء ان يحاول نوما في رحلة تمتد الي سبعة أو ثمانية أيام ..

    ويكون اليوم الاول منها دائما في كوستى ..أو ربك في احسن الاحوال ..حيث تتحرك الباخرة في التاريخ المحدد تنفيذا للتعليمات ثم تعود لمكانها ذاته..و لأن الخطأ في الفكرة ذاتها – فكرة سحب (الجنينة ) مع صنادل السطح فان الثمن يكون غاليا..بائعات الزلابية والشاى و الهوى والحلقات المستديرة حولهن .. و ما يستصحب ذلك من حالات سقوط في النهر ليلا أو نهارا ..تدهور صحة البيئة ... وصحة المجتمع و ما يستتبع ذلك من نقص في الاموال و الأنفس والثمرات ..فالرحلة التى سبقت رحلتنا غرق فيها ثلاثة اشخاص وماتت امراة بحالة اسهال غريب واستشهد طالب بعد وصوله ملكال (بنزلة معوية)ووضعت ذات حمل حملها ..وترى الناس سكارى .. (وهم سكارى )و الاصوات الكريهة والروائح المماثلة تنبعث من افواههم وكثير ما تبحث عن ماء طهور ومكان طاهر لتؤدى  فرائضك فيعز عليك ذلك ..

   سيدى  مدير النقل النهرى :- لا أود الاسترسال فى ذكر اخبار محلية ملكال .. اذ  لو فعلت لاحتجت الي كتابه سفر كامل .. ولكننى أملت في ان اشير الي بعض مواقع الخلل.. آملا ان تجدوا المعالجة الناجعة لهذا الذي  يحدث ..

شنان محمد الخليل حمد

نشرت بصحيفة الإنقاذ الوطني 20/مايو/ 1996م

الأحد، 4 أكتوبر 2009

موبيتل ...لا توقف!!

        الشهقة الهائلة التي يطلقها ذلك الفتى  وهو يقفز بمظلته الهائلة أيضاً.. والتي لا يوقفها إلا تبادله للشيكولاته الشهيرة (سنكر) ، ثم الفتى الذي يلاعب الكرة ويغيب (نشوة) عن الوجود حتى يسقط في (بالوعة) مفتوحة في الشارع ، ثم صيحة بلسان خليجي مبين (سنكر.. لا توقف) .. كان ذلك هو ما جال بخاطري وأنا اقف امام مديرة صالة موبيتل بشارع الجمهورية قبالة الخطوط الجوية التونسية  (قبل أن أركب التونسية!!) والذي قادني اليها تسلسل الاحداث التالي :

       صباح الخميس 26/2/2004م دخل طفلان يحملان شهادة من جمعية رعاية الصم والبكم للمكتب الذي تعمل به حرمنا المصون وقدما الطلب المشفوع بالختم الذي يفيد بانتمائهما للجمعية آنفة الذكر وطلبا المساعدة . وبعد ان وضعا الخطاب بصورة تغطي جهاز الهاتف الموضوع على المكتب وبعد ان استلما (الفيها النصيب) وخرجا اكتشفت حرمنا المصون ان الجهاز قد اختفى ومعه هاتف زميلة اخري تعمل معها بالمكتب .اتصلت بي المدام من الهاتف الثابت بالمكتب لتفيدني بذلك وتتساءل عن كيفية التصرف ، أفدتها انني في اجتماع الان وأنه عليها التوجه لمكتب قريب من مكتبهم ويعمل به احد الزملاء مسئولا عن تأمين المنشاة وسيقوم بإجراء اللازم ، توجهت المدام للزميل المذكور والذي رفض استقبال البلاغ وأفادها ان حماية الموبايل مسؤولية شخصية ولا دخل له به !!

       اتصلت مرة اخرى و افادتنى بما جري فاستأذنت من الاجتماع وتوجهت الى مقر عملها وكان الزمن قد تجاوز الساعة منذ لحظة السرقة مما يعني ان اي محاولة لفعل اي شيء لا قيمة لها ، توجهت الي القسم الشمالي الخرطوم وفتحت بلاغ فقدان الشريحة والجهاز واستلمت الشهادة ثم ارسلت الاوراق لموبيتل التي افادتنا بأنها اوقفت الخدمة ، وطلبوا الحضور يوم السبت لاستبدال الشريحة .

      السبت 28/2/ تم استبدال الشريحة وأفادوا ان الخدمة ستعود بعد 72 ساعة .

     الاثنين 1/مارس2004م انتهت الـ72 ساعة الان تماما ولم تعد الخدمة ، ابلغت رئاسة المركز بذلك واعتذروا وأفادوا ان الخدمة ستعود بعد 72 ساعة الان تماما ولم تعد الخدمة ستعود بعد 72 ساعة أخري من الان !!

الاربعاء 3/مارس/2004م انتهت 72 ساعة التالية ولم تعد الخدمة ايضا .

الخميس 4/مارس اتصلت بالشركة هاتفيا على الرقم 0912300000وحكيت لهم الحكاية من اولها الى آخرها .. افادنى الموظف بأنهم استعلامات فقط ( لا يحلوا ولا يربطوا ) واخذ منى الرقم وأفاد بأنه علىّ مراجعة المكتب الذى استبدلت فيه الشريحة ولكنه سيحاول معالجة الامر خلال يوم الخميس والجمعة .. ( فليسعد النطق ان لم يسعد الحال ) !!.

       السبت 6/ مارس /2004م ذهبت للمركز بشارع الجمهورية واعدت السيناريو ، حكيت بالتفصيل الممل ما حدث ، طلبوا منى رقم الشريحة ورقم الخط و أفادونى بأنه سيتم معالجة الامر خلال اليوم .

       الاحد 7/ مارس لم تعد الخدمة حتى الآن اتصلت بالشركة و افادونى بأن الخدمة ستعود بعد ربع ساعة من الآن ..

       حدث امر طريف آخر فى هذا اليوم ، فسبب الملاحقة هذه والمتابعة الشخصية منى ان الشريحة بأسمى انا شخصياً مما يتطلب حضورى لأى إجراء وذهبت هذا اليوم ووجدت المركز مزدحماً للغاية ولما كنت ( مكوكاً ) اى ارتدى الكاكى فقد دخلت مباشرة لمكتب مديرة الصالة ، وقد نشبت معركة كلامية حادة بين اثنين من (الغبش) عن حقى فى ان ادخل كقوات نظامية او ان اقف فى الصف معهم .لغريب فى الامر ان المعركة توقفت بمجرد خروجى إليهم ..(حراق روح ساكت)

     مرت الربع ساعة ولم تعد الخدمة ... (مرت ساعة وأكثر والزمن لسه)!!

     يوم الاثنين 8/ مارس لم تعد الخدمة ارسلت لهم احد الزملاء ولكنهم رفضوا ذلك وطلبوا حضورى شخصياً!

     يوم  الثلاثاء 9/ مارس اتصلت هاتفياً وأخبرتهم بأن الخدمة لم تعد... بشرونى بأنها حتعود ... إمتى ؟؟ الله اعلم!

      يوم الاربعاء 10/ مارس 2004م ذهبت للشركة واعدت القصة بتفاصيلها (المملة) على الاستاذة مديرة المركز التى اخذت الرقم ثم بضغطة واحدة ( كلك ) على الحاسوب امامها دخل الهاتف فى الخدمة .. استفسرتها ..يا استاذة الآن الخدمة غايبة ليه اسبوعين الحاصل شنو ؟ قالت : انت وقفت الخدمة ليه؟! قلت لها : لأن الجهاز كان مسروقاً وهناك بلاغ وإجراءات كانت سبب ايقافى للخدمة ..14 يوما بساعاتها ودقائقها وثوانيها وكمية من الوقت المهدر والوقود المهدر والجهد المهدر ولم يكلف اى موظف فى موبيتل نفسه الضغط على مفتاح (الإنتر ) ليعيدنى الى الخدمة ؟! 14يوماً جئت فيها الى مكتب خدمات المشتركين عدة مرات وأنا ( اغالط نفسى فى إصرار و اقول يمكن انا الما جيت )

     ضحكت من هزلية المشهد المسرحى وتداعياته وأنا اخرج من مكتب الشركة .. فشر البلية ما يضحك .. وأخذت اردد سراً.. (موبيتل .. لا اتوقف ...موبيتل .. لا توقف)!!.

شنان محمد الخليل

نشرت بصحيفة ألوان

الخميس، 1 أكتوبر 2009

شاطري العاصمة يا ملكال

           صليت العصر لأول وقتها ..وخرجت من ملكال بعد ان زودت السيارة "الهايدفرنش" بالوقود والزيت والماء .. وحشوت بندقيتي رصاصا وترقبا ويقينا .. مع رفقة شرطية مقدم ونقيب وأربعة جنود .. وتحركنا جنوبا عند الساعة الثالثة عصرا .. كانت الارض كالحة أو فقيرة ، وكانت الشمس حارقة وشبه عمودية على رؤوسنا وكان الطريق غير آمن .. لا يهم .. ففي ذلك المساء قررت خوض التجربة لوحدي ، السفر عبر اوردة الجغرافية وشرايين التاريخ المؤكسدة الملامح .. كانت وجهتنا قناة جونقلي مرورا بقرى " الدليب هل " "توفيقة " " اوبيل" بعضا مما لم يذكر ود الرضي في لاميته الشهيرة " من الاسكلة وحل" سوى هذه الوسطى "توفيقية".. وبعد ان تمددنا فوق مئات التفاصيل الصغيرة وتحت اشعة الشمس التي ترسل اشعتها على الأرض كالحميم المصهد بزاوية بين القائمة والحادة ... الطريق امامنا يظهر ويختفي تحت الحشائش الاستوائية الفقيرة والغنية التي تيبست دون ان تجد الانعام اليها سبيلا ..اوراق الاشجار المتيبسة المتكرمشة ..الارض المسطحة السوداء .. الخصبة البكر.. كل ذلك يترك لديك انطباعا بأن "الدرب" قد اخدنو الدكوكات و الهبايب ولكن لا تلبث إلا قليلا ويظهر امامك .. ذلك لسبب بسيط هو ان الهبايب والكتاتيح التي تضربنا شمالا لا تجد لها إلى هنا سبيلا .. الاسماك الكثيرة الأنواع .الكبيرة الاحجام ... والتي كان من الممكن ان يصدر الفائض منها بعد انشاء مصنع لتعليب الاسماك في ملكال او غيرها ، بدلا من تجفيفها وعرضها هكذا في الطرقات "كجيكا" تزكم رائحته الأنوف ، العسل ،الاخشاب ،ومنتجات الغابات التي تجدها في طريقك من وإلى ملكال ، معروضة في قرى الدينكا والنوير والشلك التي تشردنا فيها ذلك المساء الرمادي الحزين .. واستكشفنا مخابئها بفرح طفولي غامر ...نعم ...فحين تشعر بأنك تتمدد فوق خرائط الجغرافيا لتتنسَّم عبق التاريخ وتتلمس تفاصيله وتجتث منها الأوراق المتعفنة ، وفي هذا الجزء بالذات من الوطن حينها فقط تكتشف لماذا يحاربنا العالم عليه ولماذا يجالدنا عليه بالسيف ؟ فيجند ضدنا إذاعاته العميلة كذبا وافتراء وتلفيقا.. ايدي الأطفال التي كانت تلوح لنا جيئة وذهابا ، والتي سرقت منها الحرب البراءة والبراعة ...الرجال الذين انحنت ظهورهم وقاماتهم التي انضجتها الشمس واحترقت جلودهم ، اجساد النساء التي اتشحت "باللاوو" شبه لابسة أو شبه عارية كل ذلك كان يصرخ بعنف ان " لا للحرب ونعم للسلم"...وفي طريق العودة قابلنا سرب من (دجاج الوادي) على ميمنة الطريق ، وأخذنا نمتع أنفسنا باصطياده " نشنت" على احداهن وأطلقت نحوها رصاصة فلما ذهبت وجدتها استحالت إلى اشلاء من اللحم ، ونتفا من الريش ..فتركتها وانأ اردد مقولة الحاردلو مخاطبا البندقية .. (صف المدرعات انتي بتهدو نترتك)..بعد ذلك جمعنا حصيلة الصيد في العربة ..ونحن نسابق قرص الشمس المنحدر نحو المغيب.. ونحن نمر بالبيوت البائسة الفقيرة المشيدة من القش.. ثم اطلال مدينة "توفيقية" التي لم يبق منها شيء يذكر..العربة المشروخة الصوت والغبار المتعالي خلفها وأمامها وحده كان هو الذي نبه فرد المهندسين لمقدمنا .. وكان قد فرغ لتوه من " تلغيم" مدخل المدينة في ناحيتها الجنوبية وهو في طريقه للانصراف..نعم .. ففي امسية كهذه يمكنك ان تصعد للسماء في سرعة الصاروخ وبعد ان استطاع بصعوبة متناهية ايقافنا .. قام بفتح طريق "مسار آمن" داخل حقل الألغام عبرنا خلاله لداخل المدينة لنلحق بصلاة المغرب ونتناول وجبة الافطار حيث كان ذلك هو اليوم الأخير في شهر رمضان ..ونحن نعبر حقل الألغام طاف برأسي مقطع من قصيدة ود الرضي .. وتساؤل ترى ما علاقة مفردات "ود الرضي" بالمدن.. حيث جبل اولي الحبيب غشاه ، وحصل في القطينة عشا .. وعاد لا حول لا قوة حبيبي الليلة في الكوة..

وشاطري العاصمة" يا ملكال...توفيقية صبري نكال" دمعي ال لي الثياب بلّ .

شنان محمد الخليل

نشرت بالعدد290 صحيفة ألوان

27/يونيو/1997م

الخميس، 27 أغسطس 2009

من قلبي أدعوا لها !!

 صلينا الفجر حاضرا وتحركنا فى رفقة اماديح حاج الماحى التى تهز الوجدان هزاَ ..(سمح الوصوفو .. يارب نشوفو .. حرموا وصروفو.. نعقب نطوفو) ..مع ايقاعات الطارالنشوانة ، كانت رحلتنا هذه المرة صوب ولاية القضارف لحضور احتفالاتها بالعيد الحادى عشر ..والذى يسافر للقضارف فى زمان "الدرت" والحصاد بلا شك يعتريه خوف ووجل .... فهذا حصاد عام كامل إنقضى ... و مؤنه عام كامل  ينتظر ...والذى يسافر للقضارف فى مثل هذا الزمان بلفتنا البسيطة  "راجى الله فى الكريبة " وبين الامل والرجاء والتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنظر ..وبين ما اسلفت من خوف ووجل ..انقضت رحلة الـساعات الخمس لتقابلنا القضارف باسمة ووادعة ..

وكانت الشرطة العامة هناك استقبالاَ وترحيبا وترتيبا السيد اللواء سيف النصر اسماعيل مكى والسيد العميد تاج السر محمد عثمان وبقية العقد الفريد من الزملاء الضباط .. وكانت الشرطة الشعبية هناك .حضورا كثيفا وتألقاً وتأنقا ..الاخ المقدم احمد دياب و الاستاذ الشيخ عبد البديع .... وبعد مراسم الاستقبال الانيقة والحارة معا ....وبعد دعوة الغداء الفخيمة بمنزل السيد اللواء سيف النصر اسماعيل توجهنا الى استاد القضارف لنشهد تخريج دفعة فرسان الرباط والتى صممت  ودربت خصيصا لتامين المدينة وتامين المنشات ثم برنامج تمليك اسر الشهداء وسائل الانتاج..

        ووسط ( دانات) المهندسين المتفجرة باستاد القضارف ... ووسط الحشد الجماهيرى الكبير ..قدمت دفعة فرسان الرباط عروضها المتميزة فى الجمباز والقتال الاعزل وفض الشغب وطابور السونكى والعرض العسكرى والذى انتهى بنشيد شجي (..هيا يا شباب ارفعوا الايادى ..هللوا وكبروا وثبتوا المبادئ..الله ..الله..الله)... كان النشيد يتدفق عذوبةً و شجناً ..ليؤكد عمق وجودة النشاط الروحى والتربوى الذى تلقاه المتخرجون .. وكانت روحى تتفتق معه وتتدفق إثره ..وتنسكب فى الذاكرة رائحة وطعما ..ايامٍ صادقات ندية عشتها مع اللحن ايام المرحلة المتوسطة..اين من عينى هاتيك المجالى ...اين ليالى الشجو ..المعسكرات وقرآن الفجر ..أ ين البرامج الكشفى..وليالى السمر  اين اناشيد اخى انت حر..و..هلم رسول الله ..ولظلام الليل معنى ؟اين برامج اليوم من تربية الامس بل اين أنا؟ ...وانتبهت على صوت القائد  الخلفى للطابور يعطى النداء ..للامام انظر ..ومع حركة الايادى والأرجل وإيقاع الموسيقى ايقنت ان هذه الدفعة قد تلقت جرعتها من التدريب الروحى والبدنى تماما ...وإنها دفعة يعتمد عليها..ثم جاءت لوحة تكريم اسر الشهداء وهى أكثر روعة  ...فاسر السبعة شهداء التى اختيرت كنموذج والتى تراوحت وسائل انتاجها التى تملكتها بين الماشية والمتاجر ومعاصر الزيوت ...رسمت البسمة على وجوههم اثناء الاستلام كل معانى الامتنان والشكر لله ثم لهذا الصنيع ومن وقف وراءه .

              ثم تحركنا برفقة السيد الوالى دكتور عبد الرحمن الخضر صوب مقر الشرطة الشعبية الجديد والذى يقع على الطريق القومى لافتتاح المرحلة الاولى منه.... ثم افتتاح مشروع اعادة تأهيل مشروع بسط الامن الشامل بالمدينة بكل تفاصيله فدعوة العشاء البديعة وعلى الطبيعة ..ففندق المتوكل الذى وصلناه  بعد منتصف الليل ..وفى صبيحة اليوم التالى كانت قاعة امانة الحكومة تفتح ذراعيها لاستقبالنا بورقتين ، تقرير الأداء عن العام 2003م .... ثم ورقة عن دور الشرطة  الشعبية فى مرحلة ما بعد السلام والذى كانت لوحته البديعة مجموعة من المرابطين الجنوبيين اعلنوا اسلامهم بالمعسكر فقدموا نشيداَ رائعاَ بأصواتٍ شجية ... (الله ...الله يا شباب إسلام) ..وفى المؤتمر تحدث السيد اللواء محمد الحافظ مشيداَ بتقدير الاداء وتحدث الاستاذ يوسف بشير مهنئا الشرطة الشعبية بالولاية على نجاح و تميز برامجها ..وتحدث وزير الزراعة مشيداَ ومعلناَ اعتماده على الشرطة الشعبية فى تأمين المشاريع الزراعية بالولاية وبالتالى تامين الغذاء لسائر اهل السودان ..وتحدث السيد معتمد محلية القضارف معلنا ًاعتماده على الشرطة الشعبية فى ضبط الاسواق وحفظ النظام العام فيها ..وتحدث مشيداَ ومشيداً ...ومشيداً ومقرظاً وشاكراً ...وتحدث السيد الوالى معلناً أن الشرطة الشعبية هى ذراعه الاجتماعية و الأمنية لتنفيذ البرنامج التنموية ..تلك الإشادة والإشادات والإشارات والاعترافات والتقريظ للشرطة الشعبية بولاية القضارف وهى تحتفل بعيدها الحادى عشر وهى تعيش اسعد أيامها ..جعلنى ادندن و أنا فى طريقى للخروج..(من قلبى ادعوا لها ..فى القضارف يدوم سعدها) .

شنان محمد الخليل

نشرت بصحيفة صوت المرابط العدد(67)

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

لا للشرطة ..ولا للجاه !!

   والعربة التى تقل السيد  مدير الإدارة العامة للشرطة الشعبية السيد اللواء محمد الحافظ والسيد المنسق العام  للشرطة الشعبية الاستاذ عبد الله محمد على وعربات الوفد المرافق لهما تسير فى طريق خرب وشائه وطويل ..والهدف حزمة من البرامج الاجتماعية تنفذها الشرطة الشعبية بولاية جنوب كردفان ، فى حاضرتها كادوقلى وفى مدنها الكبرى الدلنج ، ابوجبيهة ، الرشاد .

العربة التى (نرتكبها ) صوب المقصد كان اللحن فيها طروباً :

الزمان اشقانى مرة

لما ايامو استبدت

و الحصل بيناتنا يوم

كان سحابة صيف وعدت !

كان مُشغِّل الكاسيت فى العربة يردد الاغنية اعلاه بصوت الفنان الذرى إبراهيم عوض ، اللحن الطروب والصوت الشجى وإبراهيم عوض وذهنى شارد ومنسجم تماماً مع ما يدور خارج العربة فى مسير ركبنا المتجه نحو حاضرة الولاية .. والرحلة الشاقة والطويلة التى ابتدرناها عند الساعة السابعة صباحاً من عروس الرمال (الابيض) إلى عروس الجبال (الدلنج) والتى أعترضها برنامج ( عرضى ) و( عارض ) بالدلنج ثم استمر مرورنا نحو كادوقلى وإبراهيم عوض يستمر ويتدفق إبداعاً :

الطريق قدامنا ناير

والحياة طيبة و هنية

       والطريق لم يكن (نايراً) فقط بل كان آمناً ايضاً ... وعربات الـ (JMC) تذرعه جيئةً  وذهاباً ، حيث انه ولما انفجر اطار العربة التى تقلنا لم نلبث إلا بضع دقائق حتى كانت عربة اللجنة العسكرية المشتركة تقف تستطلع الامر وتعرض المساعدة !! ولكن مشقة الرحلة تلاشت تماماً بل اصبحت ذكرى ونحن نقابل اسرة الشرطة العامة بقيادة اللواء شرطة عبد المحسن على احمد مدير الشرطة بالولاية وحوارييه ؛ حفاوة الاستقبال والإفطار والفرقة الموسيقية ومقطوعات عثمان حسين واحمد المصطفى ( وزمانك والهوى أعانك ) كانت بعض الملطفات التى بردت حرارة الجو والتى كانت تشير إلى ان المطر وشيك الهطول وان الخير قادم ..تحركنا نحو الشرطة الشعبية لافتتاح المتجر الذى ظهرت فيه بصمات الاستاذ / خضر نوجا الفنانة هذه البصمات التي سأعود إليها لاحقاً وفرقة الكمبلا التى قابلتنا بالرقصة المشهورة بكل تراثيتها ، كانت تشير إلى انها وهى فى بيئتها الطبيعية اكثر ابداعاً منها وهى (معلبة) فى غير مكانها الطبيعى . ثم تحركنا نحو مسجد (ابوليحان ) حيث خلوة (حفصة ) ودار المؤمنات لتحفيظ القرآن الكريم ، وفى مسجد ابوليحان حيث اكتشفنا ان الشرطة الشعبية بولاية جنوب كردفان لو لم تفعل أى شيء سوى اهتمامها وبرامجها التى نفذتها على المرأة هناك لكفاها ، ذِكراً فى الدنيا  وأجراً فى الآخرة حفظاً لكتاب الله وعلماً ودراية بالعقيدة و أُصولها وفقهاً وتفسيراً وسيرة ونشيداً وشعارات للمرابطات وفى الاخيرة ركزت خشية ان تكون النساء هنا تردد مثلما ردد الاطفال المدارس بحلفا الجديدة احتفاءً بمقدمنا ولكن بحمده تعالى مرت بسلام ، هذه الجودة العالية فى التدريب والتدريس للنساء لمسناها فى كادوقلى ولاحقاً في ابوجبيهة ورشاد .. احدى المرابطات قامت عن زميلاتها ، تحدثت فأبدعت وأبدت استعدادها وزميلاتها للانطلاق نحو الجبال .. وقد تذكرنا كلامها هذا ونحن فى طريق الرشاد الى( الله الكريم ) فى رحلة العودة وقلت للزملاء بالعربة ان ذلك هو طريق ( الرشاد الى مجدنا ).ثم عدنا نحو رئاسة الشرطة الشعبية بكادوقلى حيث خاطب السيد المدير القوة و اثناء المخاطبة اغاثتنا السماء بمطرٍ عميم ، هذا المطر استمر من الواحدة حتى الخامسة مساءاً ومع ذلك لم تتوقف الحياة بل (اخضوضرت) و ازدهرت وامتلأ استاد كادوقلى عن بكرة ابيه ... جاء الناس من كل حدب وصوب فى ذلك النهار الماطر الجميل والحالم الذي تمت فيه مراسم الزواج الجماعى وسباقات المارثون والتتابع وصراع النوبة ( الكُمبا ) وغنت فيه فرقة الكمبلا لقورى ورقصت فتيات النوبة و البقارة المردوم المرتاح على إيقاعات النقارة كل ذلك احتفاءاً بمائة وستين عريس وعروسة واحتفالاً واحتفاء بعدد (36 ) اسرة شهيد بتكريمهم وتمليكهم وسائل انتاج فى حدود ثلاثة ملايين جنيه لكل اسرة تقيهم شر العوز والمسغبة وسؤال الناس إلحافاً .

وفرقة اضواء الرباط التى خرجت من ثوبها التقليدى وغنت ( عمت بشايرنا ) بدلاً عن ( الليلة البشاير جات ) ورغم جود البشاير فى كل لكن تظل الأُغنيات الخالدة فى ذاكرة المجتمع ولذلك كانت ( السكسكة ) و( الحت ) والفرقة تحرف الاغنية الدنيا ابتهجت الى كادوقلى ابتهجت .. فى صبيحة اليوم التالى تحركنا الى كادوقلى نحو ابوجبيهة والطريق وعر وطويل استغرق معنا اكثر من ثمانى ساعات كادوقلى الكرقل ، سماسم ، فى طريق العودة الى الدلنج ومن ثم الطريق من سماسم نحو هبيلا ثم دلامي فأمبريمبيطة ( القرية الشهيرة ) ثم ( الفيض ام عبدالله )الاشهر منها وهى القرية التى منها المتمرد الشهير عبداالعزيز الحلو والتى جلد فيها ذات يوم فى مشكلة خاصة فأصبح مع حركة التمرد فى اليوم التالى !! ثم تنادك فتجملا فأنقطاع من المدن والقرى ثم دبيكر فكنجارا فأزميام وكريمة ، ثم ابو زكية ثم طيبة فأبوجبيهة .ولعل ابرز ملاحظة فى تلك الرحلة هو حالة الهدوء والسلام والامن والاستقرار التى تسود المنطقة .. والسلام فى جبال النوبة ليست حالة عابرة توقف فيها القتال فقط بل هى حالة الغى فيها السلاح تماما دونما توجس او ترقب او حذر بل هى حالة إطمئنان تام كأن الحرب لم تندلع هناك اصلاً!!!.وتمتد الرحلة ودليلها الاستاذ خضر محمد نوجا منسق الشرطة الشعبية بالولاية بنفسه الطيبة ومعها (سائقٌ وشهيد) أما السائق فسائقه (هشام ) وأما الشهيد فـ(عصام محمد اسحاق) بكاميرا منزلية يوثق لتلك الرحلة والبرامج المصاحبة .لم يستقبلنا اي احد من الرسميين خارج المدينة كالعادة – حيث سلموا علينا داخل المدينة -  ورجحنا أن تلك تسمى مرحلة (السلام من الداخل ) وفي ابوجبيهة كان الحشد كبيراً وكان البرنامج مرتباً رغم اسهاب المُقَدِّم في المقدمات حيث ظهر جهد الشرطة الشعبية جلياً في ما قامت به من توجيه وتوعيه وتدريب لبائعات الشاي و الأطعمة وعاملات محلات الاتصالات وهو جهد ظاهر وجلي برز اثره كما افاد احد الاخوة الذين استفسرنا هم لان هذه البرامج الموجهه نحو هذه الشعارات التي كن يرددنها ايضا خوفاً من شعارات تلاميذ المدارس وحلفا الجديدة ، ولكنها مرت بسلام والحمد لله .

       ثم جمعنا الظهر والعصر وتحركنا نحو الرشاد اخر محطة بالرحلة حيث استقبلنا وفد كبير من قبيلة الشرطة خارج المدينة وكانت المحطة الاولي ايضا تخريج خلوة لدار المؤمنات ، وذات الألق والبهاء ، وذات الرشد والرشاد والذي وجدناه في كادوقلي و ابوجبيهة وجدناه في الرشاد ، ذات الحفظ لكتاب الله والعلم والدراية وبالعقيدة و أُصولها وذات الفقه ( العبادات والطهارة ) وذات التفسير والسيرة والنشيد

والشعار مما يدل على ان يداً واحدة وساحرة لامست هذه البرامج فأنبتت هذا الابداع هى يد الاستاذ خضر محمد نوجا ... ولاحظت ان النساء ايضا لم يرددن ما ردده اطفال حلفا الجديدة لاستقبالنا ، ثم بعد ذلك لقاء القوة الضابطة والمنضبطة انضباطاً قال السيد المدير انه لم يشهد مثله حتى فى ولاية الخرطوم القريبة من المركز !! وفى المساء ايضا امطرت السماء مطرا يشبه الرشاد ويرد الروح ... ( كرفنا ) من دعاشاته حتى امتلأت ( رئاتنا ) لتنزود بهذا العبق الذى يتحتم علينا ان ننتظره بالخرطوم فى شهر اغسطس ومازلنا نحن فى شهر مايو .وفى الصباح وقبل ان نغادر خاطب السيد المنسق العام القوة خطابا معنوياً ضافياً لعل مما اعجبنى فيه قوله ( ان اهل الرشاد و ابوجبيهة يشحن احدهم عربته بالمانجو ويتحرك نحو الخرطوم بالأيام والليالى ليكون مكسبه فى حدود المائتى الف جنيه ولكن مكسبنا نحن اكثر ونحن الذين تحركنا بالأيام والليالى لنقابل هؤلاء الرجال الذين يسدون عين الشمس وهذا هو الربح الحقيقى ) ... ثم تحركنا فى طريق العودة الرشاد أمكرشولا الله كريم فى طريق العودة على انغام عثمان حسين :

قلبى مفتوح للاحبة

للجمال السحرو شب

ورسالة فن سامى

تدعو للخير والمحبة

اما ما كنت اخشى ان اسمعه فى ولاية جنوب كردفان من النساء فهو ما ردده تلاميذ المدارس فى حلفا الجديدة فقد استقبلونا بهتاف لم يحفظوه جيداً ، فأفسد المحتوى مع قرب المعنى ... حيث كانوا يرددون هى لله ... هى لله لا للشرطة ولا للجاه .

  شنان محمد الخليل

صحيفة صوت المرابط

كم فتى في مكة يشبه حمزة؟؟

قلبت الصحيفة في يدي عشرات المرات وقلبت الخبر الماثل امام ناظري مئات المرات والخبر هو كما قراته واستعصى علي فهمه او بالأحرى..استعصى عليّ  تصديق ما جاء به.. وبعد ان (حوقلت) وحمدت الله واسترجعت عدة مرات وجدت ايضا في نفسي رغبة جامحة في البكاء... بحثت عن حائط او ملاذ اتكئ عليه لابكي فلم اجد .... صارت الرغبة ظمأ..بل جنونا.. تحول الى ذهول وتساؤل عنيف ارتطم بداخلي.. هل ذهب حقا؟ فالموت والحياة آيتان من آيات الله الا ان الحياة هنا تطغى لتبدو اساسية وعميقة ...والحياة هنا ليست حالة يجيء بعدها الموت ولكنها تبدو سرمدية لا متناهية حتى كان الموت لم يخلق اصلا ..(فلا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) صدق الله العظيم...

          فبين الجريف نوري والجريف غرب وسراييفو باقصى بلاد البلقان تشكلت ابجدية العشق المستميت للتضحية والفداء لتكتب باحرف من دم (ولا تدري نفس باي ارض تموت) ... وبين الجريفين وسراييفو خيوط تواصل برابطة الدين والعقيدة و الاوجاع المشتركة... وبين الجريفين وسراييفو محطات تواصل بالدم والدموع وبين الجريفين وسراييفو رحل علي السنجك شهيدا مع ثلاث من رفقاء دربه لتمتد الاكف الخضر داعية الله بان يتقبلهم شهداء عنده ... ألا رحم الله علي السنجك بقدر ما قدم من خير لامته  ولدينه ووطنه فقد كان _في صمت_ جنديا مخلصا للعقيدة وللسودان وكنا نحسبه امة في ثقافته وفكره وادبه وامة في اطلاعه ومراجعاته وامة في علاقاته الاجتماعية وبشاشته وطيبة معشره وامة في ذكائه وذاكرته الخلاقة  والمبدعة واسفاره وامة في تجرده وتفانيه فهل تراه كان يضع ولو في اقصى احتمالات عقله وتوقعاته ان النهاية او خاتمة المطاف ستكون في اوروبا تحت قصف مدافع الكروات وحميم راجمات الصرب في بلد تموت حيتانها من البرد؟؟ ذهب السنجك _وشلوخ الاصالة في وجهه_ لغوث المستضعفين من المسلمين في اوروبا بعيونهم الخضراء ذابلة البريق فهل لهذا ايضا دلالة؟ لقيته وأنا دون العشرين وجها ذكيا وقلبا يشع بالمرح والحيوية فعرفت عن طريقه مالك بن نبي و قرأت لسيد قطب وتتلمذت على يديه في دراسة الشعر الرصين فاصطحبت مصطفى سند في بحره القديم و عودة بطريقة البحري و التجاني سعيد و صلاح احمد ابراهيم وغابات ابنوسه ... وقفنا سويا مع الكتيابي في رقصة الهياج ..فقال لي : رُقية الوجدان ان يرمي بخور الشعر في جمر الهوى ...و تدق اجراس الوعود ... لتجئ عافية الخيال على رياح البشر بين يديه تنفح في وجينات الورود ... ان كنت منا - معشر الشعراء - فاشرب خمرنا...وامنع حضورك ان يعود... ثم قال لي : اكتب املك للذي فتق التشوق... للوطن... للذي فتق التشوق في عيونك جذوتين للمترف الحس الدهين اللحظ من زيت الفتور...اكتب له...عيناك في وعد المساء شريحتا ليل علي شلال نور... وقد كان فكتبت له بعد ان عاد للكتابة بعد طول انقطاع عنها... وتعلمت يدك السلام علي الاحبة يقظة هذا الخريف... سبحان ربك وارتجعت الشعر بعد طلاقه... وفتحت فوهات النزيف... هدا وعدت علي رؤوس الموج محمولا على المد العنيف وكتبت له في رسالة الى صديق..(الشمس تغرق فى جبينك موجها زبدا هلامي الذيول.. وحسبت نفسي قدر نفسك كنت مغرورا افقت عرفت انك فوق ما يلد الومان وفوق ما تهب الحقول... ملك جبينك تحت ظل العرش والاقدام ثابتة بقيعان السهول... وعرفت انك كوكب يمشي غريبا في الحياة ولا يرى قبل الافول... عجب تلاقينا توائم في رنين الاسم والذات الغريبة والميول فما دريت اني كنت حينها قد رثيته ونحن واقفين مشدوهين بمحطة الكتيابي وفتنة الحرف الانيق..

فتعلمت منه الكثير والمثير اقله قيمة الاحساس بالجمال واستنباطه ولو من اشد الاشياء قبحا كان يسير مرة مع احد اصدقائه في احدى الطرق فمر بجيفة ماعز متحللة وقد انتنت رائحتها وزكمت الانوف فأشاح صديقه بوجهه عنها واضعا يده على انفه فقال له ضاحكا: "انظر لهذه الاسنان الناصعة البياض" فهل تراه استشف منها قيمة جمالية ام اخذ منها العبرة وان الحياة الدنيا لأهون عند الله من هذه الجيفة عند اهلها....

اللهم اني اكتب هذا لا مزكيا فلا ازكيه على الله ولا حصرا لافضاله الجمة التي لا تسعها هذه المساحة الضيقة.. ولكنها خطرفة قلم اصابته الفاجعة بفرقة عزيز فانشد مع الراحل صلاح (جرحنا دام ونحن الصابرون.. حزننا داوٍ ونحن الصامتون.. فابطشي ماشئت فينا يا منون ... كم فتى في مكة يشبه حمزة؟؟ بالخشوع المحض والتقديس والحب المقيم ... و اتضاع كامل في حضرة الروح السماوي الكريم فالتحيات له ونقول اخيرا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ان القلب ليبكي وان العين لتدمع ولا نقول الا مايرضي الرب وانا على فراقك لمحزونون وانا لله وانا اليه راجعون....

شنان محمد الخليل

صحيفة السودان الحديث